اننا نحتاج تعاون أكثر … لكننا نخلق ظروف مخالفة لهذه الحاجة.
– نواجه تعقيدات متزايدة باستمرار… لكننا نفقد القدرة على الموازنة بينها والتعامل معها جميعا في وقت واحد.
– نحتاج الى الابداع والريادة …لكننا نقيد انفسنا لنصبح غير مبادرين ونمطيين في التفكير.
* نحن الان في دوامة من التوتر والأمر يزداد سوءا مع مرور الوقت، بالرغم من أن علم الاعصاب يسلط المجهر على هذه المشكلة الا انه ايضا يقدم حلول لها!
بقلم جوشوا فريدمان
لماذا نعاني من التوتر؟
عندما نشعر في التوتر، تقوم ادمغتنا بمجموعة من العمليات لمواجه هذا التوتر. اننا نستعد لمواجهة الخطر بثلاث طرق: القتال أو الهروب والاختباء. يكون هذا النظام البيولوجي فعّالا عند مواجهة أخطار معينة، مثل أن يلحق بك أسد وأنت تمشي في الغابة. لا مجال للتفاوض مع الأسد! ولا مجال للابتكار أيضا…اذا اردت النجاة فعليك بالهرب فورا، او نرجو أنك تحمل عصا حادة تدافع بها عن نفسك.
هذا هو الحال عند التعرض للتوتر فان اجسامنا تستعمل نفس طريقة الحفاظ على البقاء, والتي تغلق جميع أجهزة الجسم المسؤولة عن الحياة طويلة الأمد والتطور (ومنها جهاز المناعة, أجهزة التكاثر, المشاعر, وايضا التفكير التحليلي) حيث توظف جميع المصادر المتاحة في الجهاز العضلي، بمعنى أنه عندما نشعر في التوتر فان أجسامنا مبرمجة لتتصرف بطريقة غير ابداعية ، اقل تعاطفا، وغير مطلعّة على مهاراتنا.
أننا نشعر بالخطر المحدق في حياتنا اليومية وكأنه خطر مواجة الاسد اعلاه، بالرغم من أن احتمالية وجود هذا النوع من الاخطار ضئيل جدا,حيث أن معظم التحديات الحقيقية التي نواجهها هي عبارة عن تعقيدات في الحاجات العلاقاتية مثال عليها: القيام بالعمل مع وجود نقص بالمهارات في ظل عدم التيقن الاقتصادي. أن الاسود في العمل غالبا ما يكونو اشخاص اخرين، بحسب دراسة لبيئة العمل,فان اكثر من 70% التحديات متعلقة بالاشخاص.
التوتر والابداع: هل نسلك الطرق المعتادة؟
ان مادة الدوبامين هي المكافاة التي يحصل عليها الجسم من الدماغ. عند اتباعنا لاجراءات معينة فاننا نحصل على جرعة من هذا الهيروين الطبيعي كمكافأة لنا!
Candace Pert هو عالم الاعصاب الذي اكتشف أن لدينا مستقبلات لهذه المادة حتى في الجزء من الدماغ المسؤول عن المنطق.
عندما نكون متأكدين, نحصل على مكافأة من الدوبامين. بقاؤنا واستمرارنا على هذا الكوكب كان سببه اختيارنا للطريق الامن.
عند القيام بمخاطرة, فاننا نحصل على مكافأة ايضا تساعدنا على التعلم والتطور. لكن عند حدوث توتر فان دماغنا يتوجه للخيارات الاكثر أمنا, اننا حتما نقوم بما قمنا به سابقا. لسوء الحظ, في هذا العام عام 2020, اكثر من ثلاثة أرباع البالغين تعرضو لمشاكل عضوية ونفسية من التوتر الذي ازداد مع ظهور الكورونا وذلك بحسب الابحاث التي قامت بها المنظمة الامريكية لعلم النفس APA.
اذا سنقع في هذا الفخ الموجود منذ الاف السنين في حال اننا اهملنا ذكاؤنا العاطفي ولم نعمل على تطويره. باستثناذ البعض منا اللذين تعلموا عنه في المدرسة أو بيئة العمل، نستطيع أن نتنبأ بما سيحصل، بمجرد متابعة نشرة الاخبار اليومية فاننا نفوت في دوامة التوتر.
الارتباك
العزلة
ضيق الأفق
عدم التيقن
هل نقوم بإيجاد حلول للمشكلات الكبيرة؟
هذه الدوامة تجعل من المستحيل إيجاد حلول لمشاكل العالم الكبيرة, كأهداف التنمية المستدامة. هذه التحديات تحتاج لأعلى درجات التفكير الإبداعي, القدرات المتميزة للوصول إلى الأهداف المرجوة. لكن ريثما نبدأ التفكير بالمشكلات العظمى كالتلوث البيئي مثلا فإننا نبدأ بالشعور بالتوتر والذي يحجب القدرة على استخدام المهارات.
ان six seconds عضو فعال في الامم المتحدة نعمل على أهداف التنمية المستدامة المختصة ب “العمل الداخلي”, بمساهمة 10 ملايين من المواطنين, وافقت الامم المتحدة على هذا الهدف والخطة المقترحة للتنفيذ والتي تهدف الى مستقبل افضل بحلول عام 2030
نحن متاخرين جدا في هذا المجال والتوتر هو أحد الأسباب من وراء ذلك !
أنا شخصيا مهتم تحديدا بالهدف رقم 17 من اهداف التنمية المستدامة, العمل على تقريب وجهات النظر المختلفة. لن نستطيع العمل على الاهداف ال 16 الباقية اذا لم نعمل مجتمعين كما لم تشهده البشرية من قبل. ولكن مع ازدياد التوتر ما لا نريده هو أن نصبح مع الوقت أكثر قسوة.
لقد كتبت النسخة الاولى من هذا المقال قبيل مؤتمر نكسس هارفرد للذكاء العاطفي الذي اقيم عام 2013. في ذلك الحين كتبت أنه مع الزيادة الهائلة في مستوى التوتر, وتناقص مستوى التعاطف منذ العام 2000 فاننا نواجه تحدي حقيقي, جاءت استنتاجاتي كما يلي:
“ما لم نطور كفاءات للسيطرة على تعقيدات الذكاء العاطفي, فسيكون المستقبل موحش”
اذ لم نستطع السيطرة على حركة المد هذه, ونواجه الان تحديات أكبر غير مسبوقة مع استمرار تنامي الضغط النفسي. أما عن التعاطف فبحسب دراسة كبيرة للذكاء العاطفي في العالم فانه في تراجع.
التوتر النفسي كبير
التحديات في ازدياد
فما هو الحال داخل أدمغتنا؟
أحد أهم النتائج للوضع الحالي هو تصاعد اكبر في مستوى التوتر النفسي, وابطال أجزاء معينة من الدماغ والتي نحتاجهة لحل المشكلات الانية. أظهرت عدة دراسات مبنية على الصور المقطعية للدماغ, وجود علاقة بين جزء الدماغ المسؤول عن التحليل والجزء العاطفي او الاجتماعي من الدماغ, على سبيل المثال: بحسب دراسة قامت بها الاكاديمية الوطنية للعلوم فان الدماغ يحتوي على شبكة غير مترابطة بمعنى انه عند تنفيذ مهام محددة في الدماغ, يتوقف تنفيذ المهام الاخرى.هذا ما ندعوه “مهارة التركيز” وهو ضروري في ظل وجود تعقيدات عديدة. لقد قمت بشرح هذه الدراسة عندما تحدثت في البرنامج الحواري TEDx :
إحدى هذه الشبكات الموجودة في الدماغ تعنى بالبيانات التحليلية كالبريد الالكتروني, الملفات, والتقارير. أما الشبكة الأخرى فتعنى بالبيانات المتعلقة بالعاطفة: الوجوه,نبرة الصوت,هل الشخص صديق حقيقي أم مزيف. في الحالة المثالية فان هاتين الشبكتين تعملان معا. وفي الوقت ذاته نستطيع ان نهمل احدى الشبكتين لمصلحة الشبكة الأخرى.
على سبيل المثال: عندما يكون تركيزنا على مراجعة رسائل البريد الإلكتروني الثلاثة وستون, ويأتي أحد الأشخاص ويلقي علينا سؤالا ما. تلقائيا نجيب “امنحنا دقيقة” عندها التركيز المطلوب لاتمام المهمة يجعلنا نهمل الناحية العاطفية أو الاجتماعية والمسؤولة عن علاقتنا مع الاخرين.
اهمال الناحية العاطفية يؤدي الى قرارات غير جيدة
عندما نقوم بالتركيز على أمر ما فإننا نهمل اشارات محددة كالشعور بعدم الارتياح مثلا. نهمل ما نشعر به لغايات إنجاز العمل. لنفترض مثلا أننا محاربين في خضم معركة ضارية والرصاصات تتطاير في كل مكان, من الطبيعي أن نشعر بالخوف, ولكن يتوجب علينا ان نعزل هذا الشعور لكي يتسنى لنا القيام بالعمل المطلوب. إذا اصبحنا ماهرين في عزل المشاعر فإننا بذلك نعزل الناحية الرقابية التي ستمكننا من اتخاذ قرارات اكثر حذرا واكثر انسانية. لنستبدل كلمة “محارب” بكلمة “عامل أو موظف” والآن لنعلمه كيف يعزل المشاعر التي تظهر عند محاولة أخذ قرار غير أخلاقي.من السهل أن ترى شخص يقرر انها فكرة جيدة في حين أن هذه الفكرة قد تؤثر على المياه الجوفية بشكل سلبي غير مسبوق, او قد تؤدي الى افلاس صندوق التمويل.
وجود المشاعر يساعدنا في الانتباه لما هو مهم. تساهم المشاعر في الجهاز الرقابي الموجود في أجسامنا والذي إذا كان يعمل بطريقة فعالة سيمكننا من تقييم النتائج المترتبة على ما نقوم به من اعمال علينا وعلى الآخرين من حولنا. بخلاف ذلك سنقوم بأخذ قرارات بالغة الخطورة. المشاعر في الحقيقة تساعدنا في عملية أخذ القرارات. الخوف عامل مهم يساعدنا في التغيير.
اذا ما اضفنا ذلك لحقيقة ان الحاجة للتركيز آخذة في الازدياد. الشركات المعنية بالتكنولوجيا سعيدة بتوفير خدمات لتواكب هذه الاحتياجات. كما صرحت شركة IBM ان %90 من حجم المعلومات الهائل تم إنتاجها خلال العامين الفائتين فقط.
لقد قمنا بتطوير انظمة معلوماتية عالية الدقة لمواجهة التعقيدات الانية. نحن على أهبة الاستعداد للاستثمار في هذا الجانب ماذا عن أنظمة الموارد البشرية, هل نستخدم هذه الأنظمة لتحقيق مستقبل أفضل؟
اذن في المحصلة لدينا تعقيدات اكثر تقودنا للتركيز على منحى ضيق. لدينا توتر يدفعنا لاخذ قرارات قصيرة الاجل. مع ذلك طبيعة المشكلات الموجودة حاليا تحتاج لشيئ اخر
What's the Antidote?
ان ادمغتنا مصممة لتواجه التوتر بهذه الطريقة
ولكن هي ايضا تستطيع ان تتصرف بطريقة اخرى
كما لدينا شعور بالتوتر، لدينا ايضا رد فعل يساعدنا على الاسترخاء
اذا ذهبت الى الطبيب في الولايات المتحدة الامريكية لامر متعلق بالتوتر ( بحسب موقع ويب ام دي ثلاثة من ضمن كل اربع زيارات للطبيب تكون لامر متعلق بالتوتر) اذا انك من المحتمل ان تكون تعالجت من قبل الطبيب هيربيرت بينسون, بالتاكيد ليس بطريقة مباشرة, حيث انه من المرجح انك لم تسمع به من قبل ولكن انجازاته غيرت الطريقة التي يتعامل بها الطب الغربي في معالجة التوتر. بينسون حاليا بروفيسور بجامعة هارفارد للعلوم الطبية, كان واحدا من أهم المختصين الذين تحدثوا في مؤتمر للذكاء العاطفي الذي انعقد في حزيران 2013 في الحرم الجامعي لجامعة هارفارد. ركز المؤتمر على التداخل ما بين العلوم وبين ممارسة الذكاء العاطفي. قدم البروفيسور براهين جديدة على ان التوتر يؤثر على خلايا DNA الجينية, فعليا نحن نؤثر على صياغة بيولوجية لاجسامنا من خلال ردود الأفعال التي نقوم بها.
في عام 1975 كتب دكتور فينسون كتابا مهما بعنوان رد الفعل الاسرخائي والذي يوضح رد الفعل العكسي للتوتر بحسب علم البيولوجيا. بعد ذلك قام الدكتور بإنشاء مؤسسة المؤسسة الطبية العقل- الجسم وبعدها اصبح بروفيسرا في جمعة هارفارد الطبية.كان واحدا من اهم الباحثين في مجال علاج العقل والجسم, في مجال العلاجات التي تربط العقل مع الجسم.
ان نتوتر او لا نتوتر
طريقة بنسن مبنية على فكرة بسيطة ولكن فعالة:كما ان لدينا رد فعل متوتر لدينا ايضا رد فعل استرخائي. بحسب تعبيرة نستطيع ان نتعلم كيف نستحضر رد الفعل هذا من اجل تفعيل مشاعر اكثر ايجابية في الحياة
هذا مثال على ان نكون اكثر ذكاء في التعامل مع المشاعر، و هو علم ” الذكاء العاطفي”
المصل : الذكاء العاطفي
من جهة نحن مجبرون أن نتصرف بطريقة غير مجدية, ولكن حسب ما فسره بينسون والآخرون نحن قادرين على تعلم طرق بديلة. لهذا السبب يعد الذكاء العاطفي في غاية الاهمية في أيامنا هذه: زيادة التعقيدات التي نواجهها تجعل مهارات الذكاء العاطفي في المقدمة. لهذا السبب نجد القادة الذين يتبنون مهارات الذكاء العاطفي يحققون قيمة أعلى, ونجد أيضا ان مندوبي المبيعات المدربين على هذه المهارات تفوقوا على نظرائهم بحسب احدى الدراسات, بنسبة 40 بالمئة. العديد من الدراسات أظهرت ان الاطفال المدربين على مهارات الذكاء العاطفي يتمتعون بصحة أفضل وارتباط اجتماعي وفي نفس الوقت تحصيل اكاديمي أفضل من غيرهم. بيتر سالوفي ( الرئيس الحالي لجامعة ييل ) وزميله جون ماير, كانوا من اوائل الاشخاص الذين عرفوا الذكاء العاطفي بطريقة علمية, ومنذ ذلك الوقت عام 1990, ظهرت أبحاث عديدة في علم الأعصاب المختص بالعواطف وعلاقتها بالتعلم والقيادة والحياة ربما يتم استخدام هذه الاكتشافات العلمية حول العالم لخلق بيئة أفضل في العمل وفي المدرسة وفي المجتمع. يعمل الناس على دراسة هذه المهارات والتي تظهر آثارها جلية في الدراسات المقدمة في بيئة العمل.
دليل وجود الذكاء العاطفي
مصطلح ( الذكاء العاطفي) كان يذكر بطريقة مبطنة في الأبحاث لكنه الآن أصبح مصطلحا واسع الانتشار في المؤتمر العالمي الذي اقيم في جامعة هارفارد عام 2013. خلال المؤتمر لاحظنا كيف أن الذكاء العاطفي يخلق تغيير إيجابي للأطفال والعائلات, للنظام البيئي وفي مجال الصحة والاعمال بعد ذلك في عام 2019 قمنا بعقد المؤتمر الأول للذكاء العاطفي في مقر ادارة الأمم المتحدة ومع مرور السنين سنستمر في التقدم.
النتيجة: نعم لدينا خيار
بالرغم من الوضع العالمي, وزيادة التوتر , والتلوث البيئي والذي يصعب عملية إيجاد حلول للكوارث التي نواجهها لكن المصل موجود ومتوفر بين أيدينا.
ماذا لو أن التحديات التي نواجهها هي حافز لنا لكي نتطور؟ ماذا لو استطعنا تسليح مليارات البشر بمهارات الذكاء العاطفي وتعليمهم طريقة ممارستها؟ هذا ما تعمل عليه 6seconds.