لا راحة للمرهقين: لماذا يُعدّ تحقيق الراحة فنًا وعلمًا؟ بقلم باتي فريدمان

تظهر لحظات من الراحة وكأنها معجزة. شعرت بها في مراحل مختلفة من حياتي، مثل انتهاء المواعيد النهائية للربع السنوي، والليالي التي قضيتها مع مولود جديد، وكذلك في أوقات الحزن الشديد أو الألم بعد الجراحة، وتجارب القلب المكسور وانقطاع الطمث، فضلاً عن ضغوط الحياة اليومية. في لحظات من الإرباك، عندما يتشتت ذهني، ولا أستطيع تهدئة ضغوط يومٍ طويلٍ بلا نهاية، تأتي الراحة كنسيمٍ خفيف يمر في غرفة حارة: غير مرئية، ضرورية، لكنها سرعان ما تختفي.

قضيتُ سنواتٍ في دراسة الراحة – أقرأ الأبحاث، وأُحسّن عادات نومي، واستثمر في الأدوات المناسبة: ستائر معتمة، ومكملاتٍ عشبية، وأغطية وسائد حريرية، وخواتم ذكية، وتطبيقات تتبع. لقد حسّنتُ كل ما يُمكن قياسه. ومع ذلك، كلما زاد اهتمامي بالراحة، وكلما حاولتُ إتقانها، أصبحت أكثر صعوبة.

اتضح أن الراحة لا تستجيب للضغوط. لا يظهر لك لأنك استحقيته. بل يأتي إليك، كغيره من الأشياء في الحياة، عندما تتوقف عن السعي وراءه.

ماذا يحدث في عقلك عند الاسترخاء؟

الراحة ليست مجرد غياب عن الفعل؛ بل هي تغيير بيولوجي وعاطفي. عندما نرتاح، ينتقل جهازنا العصبي من حالته الودية (القتال، الهروب، أو السعي) إلى الحالة اللاودية (الراحة، الهضم، والإصلاح). في هذا الوضع، يتباطأ معدل ضربات القلب، وتسترخي العضلات، ويرسل العصب المبهم إشارات الأمان في جميع أنحاء الجسم. إنه تخفيف للأعباء التي نحملها خلال اليوم، لنبدأ العمل الضروري لفهم أنفسنا.

الراحة هي المكان الذي يحدث فيه التكامل. تبدأ شبكة الوضع الافتراضي لدينا – الجزء من الدماغ الذي ينشط عندما لا نركز على المهام – بربط الأفكار، ونسج المشاعر بالمعنى. لهذا السبب غالبًا ما تأتي البصيرة في أثناء الاستحمام، أو في نزهة هادئة، أو خلال تلك اللحظة الممتعة قبل النوم مباشرة.

بدون راحة، تتراكم المشاعر والتجارب دون معالجة. عندما نعاني قلة النوم المزمنة، تتأثر صحتنا الجسدية والنفسية إلى حد بعيد. أظهرت الأبحاث أن المشاركين الذين يعانون قلة النوم أظهروا نشاطًا أكبر بنسبة 60% في اللوزة الدماغية. عندما نشعر بالتعب، يضعف تفكيرنا، ويزداد إدراكنا للتهديدات، ويضعف تنسيقنا الحركي. في الواقع، قد تكون القيادة في أثناء النعاس أكثر خطورة من القيادة تحت تأثير الكحول.

هناك أنواع عديدة من النوم، ولكل منها غرض بيولوجي مميز. النوم العميق، المعروف أيضًا باسم نوم الموجة البطيئة، هو المرحلة التي يُفرز فيها الجسم هرمون النمو، ويُصلح الأنسجة، ويُقوي جهاز المناعة. تُظهر الأبحاث أنه خلال هذه المرحلة، يُزيل الدماغ الفضلات الأيضية التي قد تُغطي المسارات العصبية – وهو نوع من التخلص الليلي من السموم الذي يحمي الصحة الإدراكية على المدى الطويل. نوم حركة العين السريعة (REM) هو المرحلة التي تحدث فيها معظم الأحلام الواضحة؛ فهو يدعم التنظيم العاطفي، والتعلم، وتقوية الذاكرة من خلال إعادة تنشيط الدوائر العصبية التي تتشكل خلال النهار. حتى المراحل الأخف من نوم حركة العين السريعة تؤدي دورًا حيويًا: فهي تُساعد على تنظيم عملية الأيض، واستقرار المزاج، وتجهيز الدماغ لراحة أعمق. تشكل هذه الدورات مجتمعة بنية النوم الصحي، وهو إيقاع إعادة البناء والاستعادة للجسم والعقل.

لماذا النوم أكثر من مجرد راحة – إنه عودة؟

لطالما أثار النوم فضول الناس، ربما لأن كل نوع من الكائنات التي دُرست، من قنديل البحر إلى الفيلة، يمر بتجربة تشبه النوم. حتى بدون أدمغة معقدة، تتبع المخلوقات هذا الإيقاع من الانسحاب والعودة. يوحي هذا الإيقاع العالمي بأن النوم ليس ترفًا للعقول العليا، بل هو إيقاع أساسي للحياة نفسها، نمط يُديم الحياة.

اعتقد المصريون القدماء أن النوم حالة مؤقتة تُشبه الموت، عندما تُغادر الروح (با) الجسد. رأوا في النوم وسيلة للتواصل مع الموتى والروح الإلهية، وعكست طقوس دفنهم هذه الصلة. بالنسبة للكثيرين، النوم مهرب، وسيلة للتهرب من أفكار أو ضغوطات الحياة. كما هتف هاملت: “أن تموت، أن تنام – أن تنام! ربما أن تحلم: آه، هذه هي المشكلة”. لكن شكسبير يصف النوم أيضًا على هذا النحو:

“النوم الذي يُعيد نسج خيوط الهموم،

موت كل يوم، حمام ألمٍ،

بلسمٌ للعقول المجروحة، دورةٌ ثانيةٌ من الطبيعة العظيمة.”

– ويليام شكسبير، ماكبث

لطالما أحببتُ هذه الصورة – النوم كحلٍّ، إعادة نسجٍ خيوط النهار المتهالكة. أفكر في النوم ليس كمهربٍ بل كعودة. إنه استسلامٌ ليلي، حيث يتذكر جسدي كيف يكون على سجيته مجددا.

ربما لهذا السبب لطالما شعر الناس بأن النوم مقدس، مساحةٌ حدوديةٌ بين النور والظلام، الحياة والموت. في كل ليلة نعبر عتبةً صغيرة، متخليين عن الجهد، والتحكم، والهوية، واثقين بأن شيئًا خفيًا سيُجددنا. عندما يحلّ الصباح، نبدأ مجددا، وهذا يُشعرنا بالانتعاش جسديًا وعاطفيًا. كما كتب هيراقليطس: “الشمس جديدةٌ كل يوم”. وعندما أنال قسطًا وافرًا من الراحة، هذا ما أشعر به تمامًا.

الراحة ليست استراحة من النمو، بل تُكمله.

الراحة ليست مهمة لصحتنا فحسب، بل هي أيضًا جزء أساسي من عملنا وتعلمنا. في “6 seconds”، نصف النمو بدورة: الانخراط ← التنشيط ← التأمل.

معظمنا بارع في المرحلتين الأوليين. ننخرط في هدف، ونُنشّط دوافعنا، ثم ننسى التأمل. نتعامل مع التأمل الأخير كأمر اختياري، بل مُفرط. لكن كل نظام – بيولوجي، وعاطفي، وتنظيمي – يعتمد على التجديد قبل بدء الموجة التالية من الجهد. في الطبيعة، تبقى الحقول بورًا بين الفصول لتتمكن التربة من إعادة بناء العناصر الغذائية. بدون هذا التوقف، يضعف الحصاد عامًا بعد عام. في حياتنا الداخلية، تتبع العواطف مسارًا مشابهًا. لكل شعور بداية، ومنتصف، ونهاية – صعود، وانطلاق، وتعافي. عندما نندفع من حالة إلى أخرى دون مساحة للتكامل، يبقى الجهاز العصبي “نشطًا”، ولا يُكمل دورته الطبيعية أبدًا. بمرور الوقت، تتراكم هذه الطاقة غير المكتملة على شكل إرهاق أو انفعال أو خدر. تعمل المؤسسات بالطريقة نفسها. تحتاج الفرق إلى التأمل بقدر ما تحتاج إلى العمل. وجدت دراسة من كلية هارفارد للأعمال أن الموظفين الذين قضوا 15 دقيقة فقط في التأمل في نهاية اليوم حققوا أداءً أفضل بنسبة 23% بعد عشرة أيام من أولئك الذين لم يفعلوا ذلك. حوّل التأمل الجهد إلى بصيرة، وحوّل الخبرة إلى قدرة.

يعكس علم الأعصاب هذا: تنشط شبكة الوضع الافتراضي في الدماغ في أثناء الراحة ووقت التوقف، مما يربط الأفكار الجديدة ويعزز الإبداع. في دراسة أجرتها جامعة ستانفورد، كان الناس أكثر إبداعًا بنسبة 60% بعد المشي مقارنةً بالجلوس في سكون. لا يأتي الابتكار من الحركة المستمرة؛ بل ينمو في فترات التوقف التي تتاح فيها للأفكار مساحة للتولد.

تجاهل هذه الدورات لا يجعلنا أقوى أو أكثر إنتاجية، بل يبقينا مشغولين فقط. التأمل ليس استراحة من النمو؛ إنه الأساس للمستوى التالي منه.

أنواع الراحة السبعة – وما هو النوع الذي تحتاجه أكثر؟

بمجرد أن توقفتُ عن محاولة إتقان الراحة، بدأتُ ألاحظ أشكالها المتعددة، كلٌّ منها يُعيد جزءًا مختلفًا من إيقاع الحياة. تناولت الدكتورة سوندرا دالتون سميث هذا الموضوع في محاضرتها على منصة تيد إكس، وقد وسّعتُ أفكارها هنا:

  1. الراحة الجسدية

هذه هي عملية تعافي الجسم. النوم، والتمدد، والاستلقاء، أو حتى التوقف لزفير طويل، جميعها تُنشّط الجهاز العصبي اللاودي. تُظهر الأبحاث أن التنفس البطيء والحركة اللطيفة يُخفّضان الكورتيزول ويُحسّنان الانتباه. الراحة الجسدية هي ما يُشعر الجسم بأنه في أمان كافٍ للتخلي عن القلق.

  1. الراحة العاطفية

هذا هو الشعور بالراحة الناتج عن التقليل من شأن كونك “بخير”. إنها اللحظة التي تتوقف فيها عن إدارة راحة الآخرين، وتُعبّر عن مشاعرك بصدق.

يُطلق علم الأعصاب على هذه الحالة تسمية المشاعر – حيث يُنشّط تحديد المشاعر مناطق اللغة في الدماغ، مما يُقلل من تفاعلية اللوزة الدماغية ويزيد الخيارات. الراحة العاطفية تُتيح مساحةً للصدق، لا للتجنب.

  1. الراحة الإبداعية

عندما تهدأ شبكات مهام الدماغ أخيرًا، تُضيء شبكة الوضع الافتراضي – مساحة الخيال والتواصل والبصيرة. هذا النوع من الراحة لا يبدو خاملًا؛ بل يشبه التحديق من النافذة، أو الهمهمة، أو الرسم، أو التجوال. الراحة الإبداعية تُتيح للفضول إعادة ملء البئر الذي استنزفه الجهد.

  1. الراحة الحسية

هذا هو تهدئة التحفيز المفرط. الضوضاء المستمرة، والضوء، والمدخلات الرقمية تُبقي حواسنا في حالة تأهب قصوى، حتى عندما لا نلاحظ ذلك. الراحة الحسية تدعو إلى السكون – خفت الأضواء، أو إغلاق العينين، أو الخروج إلى الخارج مع الصوت والألوان الطبيعية. إنها الطريقة التي يتذكر بها الجهاز العصبي أن ليس كل إشارة تحتاج إلى استجابة.

  1. الراحة العقلية

هذا هو راحة التحرر – التوقف عن التفكير المستمر، والتخطيط، وحل المشكلات. لكن التفكير المستمر يُنهك دوائر التركيز في الدماغ. الراحة النفسية تأتي من خلال التوقف أو أخذ “فترات راحة ذهنية”: المشي، التنفس العميق، أو حتى ترك أفكارك تتدفق. في هذه اللحظات، يعود الصفاء والإبداع بهدوء.

  1. الراحة الاجتماعية

هذا هو راحة الأصالة. هذا ما يحدث عندما تقضي وقتًا مع أشخاص يعيدون شحن طاقتك – أو عندما تسمح لنفسك بالعزلة دون الشعور بالذنب. الراحة الاجتماعية تعيد التوازن العاطفي من خلال تقليل جهد الأداء. إنها تذكرنا بأن التواصل يكون أفضل عندما يكون حقيقيًا.

  1. الراحة الروحية

هذا هو راحة الانتماء – تذكر أننا جزء من شيء أكبر من قائمة مهامنا. تشير الدراسات إلى أن التواصل مع الهدف والرهبة ينشط أنظمة المكافأة والترابط في الدماغ، مما يزيد الدوبامين والأوكسيتوسين. عندما نتوقف لنسأل: “ما هو المهم حقًا الآن؟” نعيد تنظيم طاقتنا بما يتناسب مع المعنى.

كيف تعرف أي نوع من الراحة يجب أن تعطيه الأولوية؟ نوع الراحة الذي تحتاجه أكثر هو الذي كنت تنكر وجوده. استمع إلى إرهاقك – إنها بيانات. عندما تُفرط في التفاعل، يحتاج جسمك إلى راحة جسدية أو حسية. وعندما تُفرط في النشاط، تُساعدك الراحة العاطفية والاجتماعية على استعادة التواصل. وعندما تُهمل التأمل، تُعيد الراحة الإبداعية أو الروحية المعنى إلى حياتك. إن الانتباه إلى المرحلة التي عشتها في هذه الدورة يكشف ما ينقصك. يعرف جسمك ومشاعرك وطاقتك دائمًا من أين تبدأ عملية الاستعادة.

لا يمكنك إجبار نفسك على الراحة، ولكن يمكنك أن تدعوها إليك.

لا يمكنك جدولة وقتٍ مُحدد، لكن يمكنك فتح نافذةٍ جديدةٍ لتُتيح المزيد من الراحة لحياتك اليومية.

هذا الأسبوع، اختر نوعًا واحدًا من الراحة التي تشعر أنها بعيدة المنال بالنسبة لك: راحة جسدية، أو عاطفية، أو إبداعية، أو حسية، أو عقلية، أو اجتماعية، أو روحية.

لاحظ كيف يظهر هذا النوع من الإرهاق، وجرّب فعلًا صغيرًا واحدًا لإعادة ملئه.

بعض الأفكار للتجربة:

توقف للتثاؤب. تشير الأبحاث إلى أن التثاؤب البطيء والمتعمد يمكن أن يُعيد ضبط الجهاز العصبي، ويزيد اليقظة، ويُهدئ الدوائر العصبية المُفرطة النشاط – لحظة راحة قصيرة للجسم والدماغ. حتى التثاؤب المُصطنع يُقدم فوائد تُساعدك على تنظيم نفسك!

جرّب “دقيقة من العدم”. اضبط مُؤقتًا لمدة ستين ثانية، ولا تفعل شيئًا إطلاقا. دع عقلك يتجول، وكتفيك ترتخيان، وأنفاسك تجد وتيرتها الخاصة. إن إيجاد وقتٍ للملل ممارسة، لذا ابدأ بخطواتٍ صغيرة!

غيّر حواسك. ابتعد للحظة عن حاسة الشم المسيطرة لديك، وضبطها مع حاسة الشم الأخرى. أغمض عينيك لسماع الصوت، وأطفئ الإشعارات لصمتك، أو امشِ حافي القدمين للمس. هناك العديد من الأبحاث حول ممارسات اليقظة الذهنية والتأريض التي تدعم الصحة النفسية من خلال حواسنا. جرّب واحدة!

الراحة هي الزفير الذي يعيدك إلى هويتك.

ربما تكون الراحة حقًا مثل ذلك النسيم – عابر، عشوائياً أحيانًا، لكنه مليء بالراحة. آمل أن تُقدّرها كما فعلتُ، كمشروب بارد في نهاية رحلة طويلة. الزفير هو الذي يُعيد الشهيق، الشتاء هو الذي يُتيح الربيع. عندما نُمارس هذه الدورة – الانخراط، التنشيط، التأمل – نتذكر أن الراحة ليست شيئًا نكسبه مقابل يوم عمل جيد. إنها شيء نُفسح له المجال، والمفارقة أن الراحة لن تأتي إلينا إلا عندما نتوقف عن محاولة التقاطها.