الذكاء العاطفي في العمل

بقلم مايكل ميلر

 إ

دراسة حديثة تقدم خمس نصائح فعّالة للاستفادة من الملل في العمل.

تشير دراسة إلى أن الملل يبقى في الدماغ، ويؤثر سلبًا على الإنتاجية. ومع ذلك، هناك استراتيجيات مثبتة يمكن استخدامها لكسر هذه الحلقة المفرغة وتحويل الملل إلى دافع للعمل المثمر والهادف.

كم مرة تبذل جهدك لإنجاز المهام المملة في العمل؟ هل لديك ما يكفي من الأعمال الهادفة لتمزجها مع المهام الروتينية لجعلها تبدو ذات قيمة؟

أظهر بحث نُشر مؤخرًا حول الملل في بيئة العمل أن “الاجتهاد” في التعامل مع المهام المملة قد يؤثر سلبًا على الإنتاجية في المستقبل. وقد أظهرت الدراسة أن محاولة كبح الملل قد تؤدي فقط إلى تفاقمه في المهام القادمة، كما لو كان هناك لعبة مطاردة عاطفية. ومع ذلك، كشفت الدراسة عن طرق عملية للتغلب على الملل، بل وحتى كيفية استغلاله واستجابة الفرد له لتعزيز الإنتاجية.

الذكاء العاطفي يشير إلى القدرة على إدارة المشاعر بشكل أكثر ذكاءً. اليوم، سنستعرض طرقاً فعالة للتعامل مع الملل في العمل.

أولًا، لماذا نشعر بالملل؟ هل هو طبيعي؟ هل هو مفيد؟

ما الذي يحاول الملل إخبارك به؟

الملل هو حالة عاطفية تتميز بالشعور بعدم وجود تحفيز، صعوبة في التركيز، وقلق، مع غياب الرغبة في التفاعل. عند الشعور بالملل، يمكن أن تظهر أيضًا أعراض جسدية مثل الإرهاق وانخفاض الطاقة. يعاني الموظفون من جميع الأعمار والمجالات من الملل بشكل متكرر، رغم أن التعبير عنه علنًا لا يزال يعد أمرًا غير مقبول في العديد من الفرق والمؤسسات. وهذا أمر مؤسف، إذ على الرغم من أن الملل قد يكون مزعجًا، فإنه يمكن أن يكون دافعًا للبحث عن مغزى وتواصل أعمق، مما يسهم في تحسين الأداء.

من المبادئ الأساسية لدينا في “6 seconds” أنه لا يوجد شعور يُعتبر “جيدًا” أو “سيئًا”. المشاعر تمثل بيانات قيمة تحفز استجابات معينة. إنها رسائل نرسلها إلى أنفسنا بناءً على رؤيتنا للعالم من حولنا. والملل أيضًا له دلالة خاصة. فما هي الرسالة التي يحملها الملل؟

لا تُسْتَغَلّ إمكانات هذا الوضع.

الوضع الحالي لا يتماشى مع رغباتي أو دوافعي.

غيّر الوضع الحالي وابحث عن بديل.

افعل شيئًا ذا معنى.

تعرّف على المزيد حول الملل على عجلة بلوتشيك للمشاعر

عندما نستجيب للملل بشكل صحيح، فإنه يؤدي وظيفته، ويقربنا من تحقيق أهدافنا. تشير إستر بريادهارشيني، المحاضرة المرموقة في جامعة إيست أنجليا، “لا يمكننا تجنب الملل، فهو شعور بشري لا مفر منه. علينا تقبّله كأمر طبيعي وإيجاد طرق لاستغلاله”.

لكن الطريقة الأكثر شيوعًا للتعامل مع الملل هي تجاهله أو كبتّه، وهذا له عواقب وخيمة.

الملل دائمًا أمر سيئ.

كغيرها من المشاعر، يمكن أن يتحول الملل إلى مصدر للدمار إذا لم يُعالج. أظهرت دراسات حول الملل المزمن أنه يمكن أن يؤدي إلى الاكتئاب والقلق والتوتر والأرق وزيادة معدل دوران الموظفين. كما كشفت دراسة حديثة عن وجود علاقة بين الملل في بيئة العمل والإرهاق، إلى جانب انخفاض مستوى الرضا الوظيفي وزيادة الرغبة في ترك الوظيفة. إن الشعور بالملل بشكل معتدل هو أمر طبيعي، ولكن إذا استمر لفترة طويلة دون إمكانية التغيير، فإنه قد يؤثر سلبًا على صحتنا العقلية والجسدية، ويؤدي إلى نتائج سلبية في العمل. وقد أظهرت بعض الأبحاث أنه يعد السبب الرئيسي وراء ترك الناس لوظائفهم.

لذا، من الضروري تطوير استراتيجيات فعّالة للتغلب على الملل والمهام اليومية، ومساعدة موظفيك في ذلك. كما سنكتشف من خلال البحث، هناك طرق محددة لتحقيق هذا الهدف.

بحث جديد: “نتائج الملل” في العمل

شيمول ميلواني هي أستاذة مساعدة في مجال السلوك التنظيمي بجامعة نورث كارولينا في تشابل هيل، وقد شاركت في تأليف دراسة حديثة تناولت موضوع الملل في بيئة العمل. خلال مقابلة معها في مجلة تايم، سُئِلَت عن أبرز ما لفت انتباهها في نتائج البحث، فأجابت: “من البديهي أن تتراجع في أداء النشاط الذي تشعر بالملل منه. لكن بحثنا يُظهر أن هذا يُسبب أيضًا تأثيرًا مُتأخرًا، حيث لا يؤثر فقط على المهمة التي تعمل عليها، بل يؤثر أيضًا على تركيزك وضعف إنتاجيتك في أداء مهمة مستقبلية.”

أظهر المشاركون نوعًا من “نتائج الملل”، حتى عندما كانوا أكثر اهتمامًا بالمهمة الثانية. إن محاولة التغلب على الملل أو تجاهله أدت إلى تفاقم آثاره، مما تجلى لاحقًا في شكل أحلام يقظة مدمرة.

لكن الباحثين وجدوا علاجًا فعالًا واحدًا: القيام بعمل ذي معنى.

يقول ميلواني: “كان التأثير الأكبر هو أن تكون المهمة الثانية ذات معنى حقيقي للأفراد – أي أن يكون لها تأثير في الآخرين، وأن يكون لها تواصل معهم، وأن يشعر الشخص حقًا بأن العمل الذي يقوم به له تأثير عميق”. ويضيف: “كانت هذه المهام تُعيد توجيه الشخص وتجديد طاقته. ونتيجةً لذلك، كسرت ذلك المسار بين قمع الملل والرغبة في شرود الذهن”.

لمحاربة الملل، امزج العمل الهادف.

هذا هو أول درس من دروسنا الخمسة حول التعامل بفعالية مع ملل مكان العمل، مستوحى من بحث ميلواني وشركاه: تواصل مع العمل الهادف.

خمس نصائح مدعومة بالأدلة للتغلب على الملل بشكل أكثر فعالية.

إليك خمس نصائح فعّالة لمواجهة الملل بذكاء من أجل تحقيق نتائج أفضل في العمل.

1- عزز ارتباطك بالمعنى العميق لعملك. كما ذُكر سابقًا، أبدى المشاركون الذين تواصلوا مع الآخرين ومع أهداف عملهم شعورًا بتجدد الطاقة، ولم يلاحظوا أي تراجع في إنتاجيتهم في المهام المستقبلية. يدرك القادة المتميزون أهمية التأكد من أن الموظفين يرون ويشعرون بمدى الترابط بين ما يقومون به يوميًا والفوائد التي تعود العملاء، والمؤسسة، والعالم بشكل عام.

2- قسّم المهام والأيام المملة، ولا تفرط في الوقت على مهمة واحدة، خصوصًا تلك التي تُشعرك بالملل وتستنزف طاقتك. تُشير ميلواني إلى أهمية فهم يومك والتخطيط له، حيث يُفضل إذا كنت تعمل على مهمة قد تُشعرك بالإحباط، أن تتبعها بمهمة تثير اهتمامك، وتؤثر في مشاعرك على نحو إيجابي. كأستاذة جامعية تستمد قيمتها من تفاعلها مع الطلاب، تجدول ميلواني المهام ذات التأثير الكبير عمدًا طوال يومها، مع إدخال مهام أقل جاذبية وإرهاقًا بينها.

3- خصص وقتًا إضافيًا للعمل على مشاريعك التي تثير شغفك. هل تدرك ما هو المحفز؟ إنه اختيار كيفية استثمار الوقت! تشتهر جوجل بتشجيع موظفيها على قضاء 20% من وقتهم في استكشاف أو العمل على أفكار جديدة. هذا يساعد على كسر روتين العمل ويعزز الإلهام.

4- يجب تقليل القيود المفروضة على الحديث حول الملل. الاعتراف بالملل أو عدم الانخراط في العمل يعتبر محظورًا في العديد من المؤسسات، ولكن يجب ألا يكون كذلك. فالمؤسسات التي تعطي أهمية للذكاء العاطفي لديها فرصة أفضل لتحقيق أداء مرتفع بنسبة 22 ضعفًا مقارنة بتلك التي لا تعير ذلك اهتمامًا. السر يكمن في تطبيع الحديث عن المشاعر والدوافع بصدق. يشير ميلواني إلى أن الأمر يعتمد على ما يختاره المدراء للحديث عنه: “في الاجتماعات الفردية، يميل المدراء إلى التركيز على المهام، مثل: ‘أين وصلت في هذا المشروع؟’ نادرًا ما يسألون عن: ‘ما الذي يسبب لك الإرهاق الآن؟ ما الذي يشعرك بالحماس؟ ما الذي يمنعك من تقديم أفضل ما لديك؟’ الرسالة التي يجب إيصالها هي: لا بأس في الشعور بالملل، أو في شعورك بأي شيء. الأمر يتوقف على كيفية استجابتنا.

5- احرص على أن تكون نسبة الملل في عملك متوازنة ومناسبة. لكل فرد جوانب من عمله يشعر أنها روتينية. يُعتبر الشعور ببعض الملل أمرًا طبيعيًا. إذا كان الملل مؤقتًا ومعتدلاً، فإنه يُمكن أن يكون مفيدًا. لكن إذا أصبح البقاء في العمل الممل هو الوضع السائد، فقد يتسبب الملل المستمر في مشاكل.

اجعل الذكاء العاطفي جزءًا من يومك من خلال الانضمام إلينا على وسائل التواصل الاجتماعي.